رحلة وتعزية

 


الأجواء في الحافلة السياحية الكبيرة، ممتعة، وكانت طريقها سلسة و على الكرسي بجانبي ابنتي ورد، تضع في حجرها حقيبة يدها وكاميرا خاصة للتصوير .. يبدو أننا اقتربنا من الوصول إلى محطتنا النهائية، التي كانت في الساحة التي هي أمام دكان العم آبو مصطفى، عيد الصياصنة...الحافلة تنساب بين البيوت القديمة واليوم جمعة، ولا يكاد يوجد أحد يمشي في الطريق ..كان خدر اللحظات الطيبة يعطى للمسافة بعداً أكبر ..حتى بيت خالتي "خزنة"،كان يمتد مع الطريق أكثر من المعتاد،فبينما انعطفت الحافلة من "زقاق الشلبي " يساراً، باتجاه جامع "الحجي ارشيد"، صرت أرى البيوت التي تركها أهلها منذ زمن، كي يسكنوا عمائر أجمل في الجوار، هذه البيوت القديمة التي أعرف أهلها جميعاً.
وكانت من الحجر الأبيض المشطوف، والمنضد بحرفية عالية، يعتمدها أهل قرى جبال اللاذقية غير الأغنياء في بناء بيوتهم،لتبدو جزءاً من لوحة الجبال المتناغمة مع القرى هناك.
الشمس تميل إلى المغيب وبقايا شعاعها يعطي للجدران والبيوت رونقاً وكأنها قرية سياحية..وكان الطريق بالكاد على مقاس الحافلة.
قلت لورد التي تتابع مبتهجة تفاصيل المكان معي :
- سأعود بعد دقائق، عند نزولنا، لألتقط ما اتحدى به صديقي "الفنلندي" الذي يعرض صوراً غاية في الجمال...
كانت فوق مقعد السائق في مقدمة الحافلة، تنسدل شاشة كبيرة نسبياً تعرض منوعات مختلفة، وتخللها اعلان ترويجي لحدث قادم وهو عرض القناة قريباً لمسلسل الاجتياح.. واقترب الكادر من كلمتين وضعتا في مستطيل أكثر إضاءة من ماحوله .والصورة مترافقة مع صوت يقول :
- ستكونون مع "بسام قطيفان و الاجتياح" ، كان ذلك إعلاناً لاتفاق تمّ معي قبل أيام من قِبل القناة، حيث سيكون لي لقاء بعد كل حلقة للحديث عن أجواء العمل في هذا المسلسل..
رجل على الكرسي المحاذي لكرسيي، رأى دهشتي و متابعتي بشغف لكل تفاصيل المكان خارج الحافلة، فقد ظن أنني غريب تشجع وقال لي : هذه درعا البلد!..
يبدو أنه لم يعرفني،. وأنا ايضا لم يسبق لي أن رأيته، فقلت له: - يارجل هاي بلدتي وحارتي، أحفظها حجراً حجر..
رأيت الودّ في محيا الرجل الذي بادر عند وصولنا للموقف الأخير لدفع الحساب عني .. وحاولت أن أسبقه لذلك، لكن المفاجأة أن سائق الحافلة كان صديقي "شوقي الماجري"، الذي قال بابتسامته الودودة :
-خلاص الكل خالصين انت وبسام و وَرّود..(يقصد ابنتي كما كان يناديها) .. لم أعد استطيع ترك الحافلة لأن فيها شوقي، ولا الذهاب لتصوير المكان الذي حلت به العتمة بعد غياب الشمس..
...
استيقظت من منامي و أنا أشعر برغبة للعودة الى دفء ذاك الحلم.. لكن لا سبيل إلى ذلك مع صوت بائع "الروبابيكيا" القريب. ..
اعتدلت في فراشي و كالعادة ألتقط جوالي كأول شيء أقوم به ، لتطالعني صفحة الفيسبوك بذكرى منذ ثلاثة أعوام مضت، فقد نشرتُ يومها دعوة للاصدقاء لمتابعة الحلقة الأولى من مسلسل الاجتياح الذي كان سيبدأ عرضه 5 شباط 2018 على إحدى القنوات الأردنية .. ما هذه المصادفات..؟!
كتبت بضع كلمات للترحم على روح شوقي، ولإنعاش المنشور.. وبدأت باستعراض منشورات الأصدقاء ليكون أول خبر يطالعني هو خبر وفاة الأستاذ المنتج الأردني عدنان العواملة مؤسس المركز العربي الذي أنتج مسلسل الاجتياح ذاته قبل 14 عاماً..
لم أعد قادراً على ربط اليقظة بالمنامات.. لعلها دقائق فقط من هذا الصباح..
#الإجتياح
رحم الله اخي الغالي #شوقي_الماجري
رحم الله الأستاذ عدنان العواملة و خالص العزاء لأهله ومحبيه.
كل 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أعتذرُ عما كتبت...

يوم سوري.. عصيب