شيء ما، يبعث على الحياة
... "على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة.."
قالها الشاعر يوماً ما .. وصارت "إنجيلاً" للأمل والانتظار حيناً، وللتأسي بسير من صبروا وظفروا أحياناً،. بل وحتى مهرباً لمحبي المماطلة والتهرب من استحقاقات الحياة في احيانٍ أخرى.
أما أنا ، فأجيل النظر في هذي الحياة بأكملها..
فيعجز "نظري" الكليل أن يرى غير المحن، والآلام و البؤس والحرمان، الجوائح و الصراعات وضحاياها و و و،
بل لاأرى أي شيء يستحق هذه الحياة، اللهم سوى بعض اقتناصات قد تحيكها الذاكرة "لسعادة" هنا أو هناك أو أوهام نتلهى بها لتقينا من سوداوية العيش..
ألمثل هذا جئنا إليك أيتها الأرض _ الحياة ؟ ! ..
أقف وسط الشارع أمام المبنى الذي فيه بيتي.. أحسّ أن لارغبة لي بالسير ولو لخطوة واحدة لأكون على أحد جانبي الطريق.
شيء من الشلل وانعدام الرغبة في الحركة سرى حتى جعل قدماي تتسمران وسط الطريق ، تفكيري تجمد في لحظة لا أدركها، غيوم سوداء تعبر رأسي، أشعر بتسربها إلى عمق جسدي كله، غيوم متخمة باليأس وانسداد الأفق..
لحسن الحظ، أو لسوئه، انه في هذه الأثناء لم تعبر المكان أي سيارة.. صحيح أن شارعنا فرعي لكن حركة السير لاتنقطع عنه طويلاَ..
رجل من الجوار يحث الخطى قاصداً المتجر القريب ويمسك بيده طفلته التي عجبتُ كيف تجاري مشية أبيها ، إذ كانت تبدو ضئيلة لا تتجاوز العامين_او هكذا خمنت _ كان شعرها مربوطا بظفيرتين ووجهها كنرجسة يانعة يبعث على الأنس، كانت ترتدي فستاناً و توليفة تغطيه لتبدو الطفلة بلعبة "الباربي" ..
عبرالرجل بجانبي وألقى تحية عابرة، وبالكاد رددت عليه بصوت واهن.. لكن نظري تعلق بوجه الطفلة ومشيتها المتسارعة بآن، كان وجهها وعيناها أيضاً لا يكفا عن النظر إليّ..بل صوب عيني تحديداً، إذ لوت رقبتها للخلف وتابعت النظر بوجهها المؤنس، وفي لحظة استحالت ملامحها إلى ابتسامة تفيض بالألفة، وعيناها تقولان أنها لي..
شيء كالغمام الأبيض انبعث في اعماقي..
خطوتُ بضع خطوات خلف الطفلة و قد جذبتني ابتسامتها .. واجتاحتني رغبة في الابتسام لها ايضاً، فابتسمتُ، ثم كبرت ابتسامتي..
غابت النرجسة خلف زجاج المتجر الذي دخله أبيها ... وعيناي لاتزالان تلاحقان أثرها ..
أدركت أنني استحلتُ إلى شخص آخر، وقد ملأني شعور أنني نلت جرعة من عقار سحري قلب حالي..
فتابعت السير وقد ملأني شعور جديد أبعد ما يكون عن ذاك الذي انتابني في وسط الطريق أمام مبنى بيتي ..
قد تكون هذه من الأشياء التي تستحق الحياة..لست ادري!
اذن لا تتجاهلوا الأشياء الصغيرة، لعلها منقذة إياكم...
تعليقات
إرسال تعليق
نرجو كتابة تعليقاتكم و آرائكم بحسب رغبتكم ..ولكم كل الشكر